سورة الزمر - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


قوله عز وجل: {تنزيل الكتاب} أي هذا الكتاب وهو القرآن تنزيل {من الله العزيز الحكيم} أي لا من غيره {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} أي لم ننزله باطلاً لغير شيء {فاعبد الله مخلصاً له الدين} أي الطاعة {ألا لله الدين الخالص} أي شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل لا يستحق الدين الخالص إلا الله وقيل يعني الخالص من الشرك وما سوى الخالص ليس بدين الله الذي أمر به لأن رأس العبادات الإخلاص في التوحيد واتباع الأوامر واجتناب النواهي {والذين اتخذوا من دونه} أي من دون الله {أولياء} يعني الأصنام {ما نعبد هم} أي قالوا ما نعبد هم {إلا ليقربونا إلى الله زلفى} يعني قربة وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من خلقكم وخلق السموات والأرض ومن ربكم قالوا الله فقيل لهم فما معنى عبادتكم الأصنام فقالوا ليقربونا إلى الله زلفى وتشفع لنا عنده {إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون} أي من أمر الدين {إن الله لا يهدي} أي لا يرشد لدينه {من هو كاذب} أي من قال إن الآلهة تشفع له {كفار} أي باتخاذه الآلهة دون الله تعالى {لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى} أي لاختار {مما يخلق ما يشاء} يعني الملائكة ثم نزه نفسه فقال تعالى: {سبحانه} أي تنزيهاً له عن ذلك وعما لا يليق بطهارة قلبه {وهو الواحد} أي في ملكه الذي لا شريك له ولا ولد {القهار} أي الغالب الكامل القدرة.


قوله تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} يعني يغشى هذا هذا، وقيل يدخل أحدهما على الآخر وقيل ينقص من أحدهما ويزيد في الآخر فما نقص من الليل زاد في النهار وما نقص من النهار زاد في الليل ومنتهى النقصان تسع ساعات ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة وقيل الليل والنهار عسكران عظيمان يكرّ أحدهما على الآخر وذلك بقدرة قادر عليهما قاهر لهما {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى} يعني إلى يوم القيامة {ألا هو العزيز الغفار} معناه أن خلق هذه الأشياء العظيمة يدل على كونه سبحانه وتعالى عزيزاً كامل القدرة مع أنه غفار عظيم الرحمة والفضل والإحسان {خلقكم من نفس واحدة} يعني آدم {ثم جعل منها زوجها} يعني حواء، ولما ذكر الله تعالى قدرته في خلق السموات والأرض وتكوير الليل على النهار ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان عقبه بذكر خلق الحيوان فقال تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} يعني الإبل والبقر والغنم والمعز والمراد بالأزواج الذكر والأنثى من هذه الأصناف، وفي تفسير الإنزال وجوه. قيل إنه هنا بمعنى الإحداث والإنشاء وقيل إن الحيوان لا يعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وهو ينزل من السماء فكان التقدير أنزل الماء الذي تعيش به الأنعام وقيل إن أصول هذه الأصناف خلقت في الجنة ثم أنزلت إلى الأرض {يخلقكم في بطون أمهاتكم} لما ذكر الله تعالى أصل خلق الإنسان ثم أتبعه بذكر الأنعام عقبه بذكر حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان وهي كونها مخلوقة في بطون الأمهات وإنما قال في بطون أمهاتكم لتغليب من يعقل ولشرف الإنسان على سائر الخلق {خلقاً من بعد خلق} يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة {في ظلمات ثلاث} قال ابن عباس ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة وقيل ظلمة الصلب وظلمة الرحم وظلمة البطن {ذلكم الله ربكم} أي الذي خلق هذه الأشياء ربكم {له الملك} أي لا لغيره {لا إله إلا هو} أي لا خالق لهذا الخلق ولا معبود لهم إلا الله تعالى: {فأنى تصرفون} أي عن طريق الحق بعد هذا البيان.
قوله عز وجل: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم} يعني أنه تعالى ما كلف المكلفين ليجر إلى نفسه نفعاً أو ليدفع عن نفسه ضرراً وذلك لأنه تعالى غني عن الخلق على الإطلاق فيمتنع في حقه جر المنفعة ودفع المضرة ولأنه لو كان محتاجاً لكان ذلك نقصاناً والله تعالى منزه عن النقصان فثبت بما ذكرنا أنه غني عن جميع العالمين فلو كفروا وأصروا عليه فإن الله تعالى غني عنهم ثم قال الله تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} يعني أنه تعالى وإن كان لا ينفعه إيمان ولا يضره كفر إلا أنه لا يرضى لعباده الكفر قال ابن عباس لا يرضى لعباده المؤمنين بالكفر وهم الذين قال الله تعالى فيهم:


{وإذا مس الإنسان ضر} أي بلاء وشدة {دعا ربه منيباً} أي راجعاً {إليه} مستغيثاً به {ثم إذا خوله} أي أعطاه {نعمة منه نسي} أي ترك {ما كان يدعو إليه من قبل} والمعنى نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه {وجعل لله أنداداً} يعني الأصنام {ليضل عن سبيله} أي ليرد عن دين الله تعالى {قل} أي لهذا الكافر {تمتع بكفرك قليلاً} أي في الدنيا إلى انقضاء أجلك {إنك من أصحاب النار} قيل نزلت في عتبة بن ربيعة وقيل في أبي حذيفة المخزومي وقيل هو عام في كل كافر {أمن هو قانت} قيل فيه حذف مجازه كمن هو غير قانت، وقيل مجازه الذي جعل لله أنداداً أخير أم من هو قانت. وقيل معنى الآية تمتع بكفرك إنك من أصحاب النار ويا من هو قانت أنت من أصحاب الجنة. قال ابن عباس: نزلت في أبي بكر وعمر. وعن ابن عمر: أنها نزلت في عثمان. وقيل: إنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان وقيل: الآية عامة في كل قانت وهو المقيم على الطاعة، وقال ابن عمر: القنوت قراءة القرآن وطول القيام، وقيل: القانت القائم بما يجب عليه {آناء الليل} أي ساعات الليل أوله ووسطه وآخره {ساجداً وقائماً} أي في الصلاة وفيه دليل على ترجيح قيام الليل على النهار وأنه أفضل منه وذلك لأن الليل أستر فيكون أبعد عن الرياء ولأن ظلمة الليل تجمع الهم وتمنع البصر عن النظر إلى الأشياء، وإذا صار القلب فارغاً عن الاشتغال بالأحوال الخارجية رجع إلى المطلوب الأصلي وهو الخشوع في الصلاة ومعرفة من يصلى له، وقيل لأن الليل وقت النوم ومظنَّة الراحة فيكون قيامه أشقّ على النفس فيكون الثواب فيه أكثر {يحذر} أي يخاف {الآخرة ويرجوا رحمة ربه} قيل المغفرة وقيل الجنة وفيه فائدة وهي أنه قال في مقام الخوف يحذر الآخرة فلم يضف الحذر إليه تعالى، وقال في مقام الرجاء ويرجو رحمة ربه وهذا يدل على أن جانب الرجاء أكمل وأولى أن ينسب إلى الله تعالى ويعضد. هذا ما روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له كيف نجدك قال أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله تعالى ما يرجو منه وآمنه مما يخاف» أخرجه الترمذي {قل هل يستوي الذين يعلمون} أي ما عند الله من الثواب والعقاب {والذين لا يعلمون} ذلك، وقيل: الذين يعلمون عمار وأصحابه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7